
فكرة إنشاء "صالون أسكدنيا"، تبلورت من خلال علاقة خاصة تربط ضحى عبدالخالق بالموسيقى كفن وقيمة روحانية تربط الناس بعضهم ببعض، واجتمع هذا العشق مع رغبتها بالتطوع وإحداث فرق من خلال أمر تحبه في الأردن.
تلك قواعد أولية، جعلتها تنتج مبادرة قيّمة، رأت النور من خلال قيام شركة "أسكدنيا" التي هي شريك تنفيذي مؤسس فيها، بتبني فكرة الصالون وتنفيذه بالتعاون مع مركز الحسين الثقافي التابع لأمانة عمان الكبرى.
الصالون، الذي افتتحه يوم الأربعاء الماضي أمين عمان الكبرى عقل بلتاجي نيابة عن سمو الأميرة سمية بنت الحسن، تقوم بالتدريس فيه معلمة متخصصة ومتفرغة لذلك، هي ميرنا طرزي الحاصلة على الماجستير في الموسيقى.
حفل إشهار الصالون الأنيق الذي أقيم خصيصا وحضره عدد من الشخصيات والسفراء ورواد في مجال العمل التطوعي، تضمن فقرات موسيقية وغنائية، وتم عرض فيديو يروي قصة ابتداء الصالون ومراحل تطوره، كما قدم صالون بيت الرواد وصلة من الموشحات بقيادة الفنان صخر حتّر، وغناء كل من المطربين؛ عطالله هنديلة وسلوى العاص.
أيضا تضمن الحفل فقرات لشابين متميزين بموهبتهما هما؛ المطربة الصاعدة نتالي سمعان وبلبل الكمان مؤيد موسى، بالإضافة إلى أداء راقص من مدرسة تاليدا للفنون، ومشاركة نقدية للدكتور مازن عصفور.
عبد الخالق تبين أن اختيار مركز الحسين الثقافي أتى من كونه في قلب العاصمة عمان، ويقع في منطقة جغرافية عريقة وقريبة من العديد من الأماكن التي يقطنها موهوبون قد لا يتمكنون من الإنفاق على تعلم الموسيقى.
من هنا، يأتي الصالون لخدمة هذه المناطق، خصوصا تلك التي تقع في شرق العاصمة عمان، مثل منطقة المصدار وجبل النظيف وجبل الأخضر وغيرها.
في خطته الحالية، سيوفر الصالون، الذي يفتح أبوابه للجميع، حصصا في النظريات الموسيقية، إضافة إلى تدريس متخصص لآلتي البيانو والعود.
مهمة الصالون لن تكون تعليمية فحسب، بل سيضع آليات لاكتشاف المواهب الحقيقية، واحتضان تجارب الأداء.
الصالون الذي أطلق تحت شعار "إلى مدرستي.. ولأيام مضت وستأتي أحلى وأجمل"، سيعمل على تعميم فكرة تعليم الموسيقى لخدمة الطلبة الموهوبين الأقل حظا، وسيعمل على تأهيلهم ليصبحوا موسيقيين محترفين وقادرين على التقدم لأي جامعة وأكاديمية موسيقية في المستقبل.
ومن ضمن خططه، سيقوم الصالون بتنظيم البرامج الموسيقية التي تستهدف الطلبة والجمهور بشكل عام، مثل تنظيم الأمسيات الموسيقية والمسابقات الإبداعية، وإنتاج الاسطوانات والكتب. وسيعمل بشكل تطوعي مع الطلبة وأولياء الأمور على حد سواء لضمان تطوير ثقافة موسيقية واعية في المجتمع الحديث.
ويضع الصالون، وللمرحلة الحالية، خطة آنية يسعى من خلالها إلى تخريج من 20 إلى 30 طالبا يتم انتقاؤهم بالتعاون مع مبادرة "مدرستي"، فضلا عن الطلبة غير المقتدرين الذين سيزكيهم المعهد الوطني للموسيقى لتعلم الموسيقى وفنونها في الصالون.
عبدالخالق تشير إلى أن مبادرة إنشاء الصالون تعد الأولى من نوعها في الأردن بما يخص تعاون القطاع الخاص مع مؤسسة رسمية في المجال الثقافي.
وتبين أن تفاصيل المكان تم اختيارها بدقة، بحيث يتلاقى فيها فن المعمار والجماليات الحسية والسمعية والبصرية في مكان واحد.
وهي تفسر تصميم الصالون بهذا المستوى الرفيع وبمعمارية باروكية ترتبط بقصور أوروبا وصالاتها العريقة، بإيمانها بأهمية أن يكون العطاء "بمحبة"، وهي ترى في ذلك تقديرا واحتراما للموهبة والموهوب، حيث تم الاعتناء بالتفاصيل كافة.
وتأمل عبدالخالق بأن يدخل كل طالب إلى الصالون ويشعر أنه "أمير فيه"، على حد تعبيرها.
الاستدامة فكرة أساسية في المشروع الذي رصدت له ميزانية 80 ألف دينار للعامين 2013 و2014؛ إذ تذهب عبدالخالق إلى أن شركة "أسكدنيا" ستضمن استدامة المشروع من جهة، كما أن ارتباط المشروع بمؤسسة رسمية فاعلة، هي مركز الحسين الثقافي، يعد نوعا من أنواع الاستدامة والاستناد إلى ثقل قوي.
من جهته، يقول مدير عام مركز الحسين الثقافي، عبدالهادي راجي المجالي، إن الشراكة مع أسكدنيا في هذا المشروع، جاءت من أجل "صنع الفرحة من رأس العين".
ويبين أن مركز الحسين الثقافي يستضيف الصالون الموسيقي بكل نشاطاته، وأن العاملين بالمركز قاموا بتقديم "كل ما لدينا من إمكانات لدعم المجهود، وإبرازه من مقره في مركز الحسين الثقافي قرب المسرح الرئيسي. في تعاون، هو الأوّل من نوعه بين مؤسسة ثقافية وطنية أردنية والقطاع الخاص".
عبدالخالق، الحاصلة على درجتي الماجستير في الحقوق من جامعتي لندن وستكولهوم، ترى أهمية كبرى بوجود فرقة "رواد" يافعة، على منوال فرقة "صالون بيت الرواد" التي تتبانها أمانة عمان الكبرى حاليا. وتؤكد على أهمية تنشئة هذه الفرقة على التراث الموسيقي العربي والأردني، مشيرة إلى وجوب "ربط الحاضر بالماضي لإيجاد مستقبل أفضل".
جهود وسواعد أردنية معطاءة كثيرة اجتمعت وعملت لكي يخرج هذا المكان على ما هو عليه اليوم، ووصل عدد العاملين لأكثر من ثمانين شخصا برعاية المهندس نائل صلاح والمهندس بلال الجندي، وخالد القيسي وعماد قزمار.
أيضا اجتمع العديد من الفنانين وقدموا جهودهم وأعمالهم ومنهم؛ سلام كنعان وسعيد وجواد حديدين ومحمد البنا ولوسي عبدالخالق وفريد فخر الدين وآية الفايز، بالإضافة إلى متبرعين من الشركات مثل "نور على نور" ولانا بشارات وريما التميمي وبشار كلبونة وإيهاب حداد وعامر كيالي وصدام القيسي ونزار قعوار ورامي حجاوي، ومتطوّعين مثل الإعلامية إيمان عكور والدكتور مازن عصفور وغيرهم.
عبدالخالق تؤمن بأن الإضافة النوعيّة تأتي إذا حاول كل شخص أو حتى شركة، أن يعطي بطريقته الخاصة وأن يسهم بالمواضيع التي يحبها، الأمر الذي "سيحدث فرقا حقيقيا". ومن تجربتها الشخصية، فإن الذي يعمل بشغف، سينثر حتما هذه الطاقة الإيجابية والأثر المتوالي على من حوله، وسيدخلون هم أيضا في دائرة العطاء والمساهمة.
وتقول عبدالخالق إنه يجب أن "نعيد صياغة النظرة المجتمعية للعمل التطوعي"، خصوصا تلك المتعلقة بالمؤسسات، والتي تنضوي تحت واجبها نحو مجتمعها، أو ما اصطلح على تسميتها "المسؤولية الاجتماعية"، لافتة إلى أن الواقع يؤكد أنه يمكن لكل مؤسسة تعمل تحت هذا العنوان إحداث فرق حقيقي في مجال ما.
وهي ترى أننا في مجتمعاتنا العربيّة لا يكون "عطاؤنا كما يجب"، فالمؤسسات تخشى الضرائب، ونحن "نخشى العين والحسد، لا بل نخشى حتى التعبير عن أنفسنا وعن ما نحمل من آراء ومواقف من القضايا الأساسية في مجتمعنا"؛ مثل الحريّة والموسيقى والتعبير والفن، مؤكدة أهمية أن يخرج الأفراد والشركات من هذا الأمر.
جزء من المشروع أيضا، يتضمن وجود موقع إلكتروني يحتوي على مقطوعات يقوم بتسجيلها طلبة الصالون، بحيث يتم إنشاء مكتبة إلكترونية ونشرها عبر قنوات التواصل الاجتماعي المختلفة.
واحد من أحلام عبدالخالق هو أن يتم تغيير مناهج المدارس الحكومية في الأردن، لتشمل تعليم الموسيقى والفنون والأداء المسرحي للطلبة كافة. هذا الحلم يأتي من إيمانها العميق بأهمية الموسيقى وتقدير الإبداع وتنمية المواهب، التي يعد وجودها والاستثمار فيها موازيا بالأهمية لوجود الخبز اليومي، فالفن "غذاء الروح"، وفق عبدالخالق.
وتؤكد أن الصالون هو البداية، إلا أن الفكرة "حتما ستتطور وتكبر"، وسيكبر الحلم، فبالإيمان والعمل وروح الفريق والتصميم نستطيع أن نخلق أجنحتنا الخاصة لنطير بها، ولنحلق عاليا بصرف النظر عن جميع ما يحيط بنا من معوقات ومقاومات سلبية.